كيف كنا وكيف اصبحنا

سم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* كيف كان المسلمون بالقرآن :
لقد كانت الامة الاسلامية في اوج الرقي والازدهار يوم كانت تعطي هذا الكتاب العظيم قيمته
وتدرك معناه وتعمل جاهدة على أن تكون بحق أداة رسالته.
لقد كان القرآن هدى للمسلمين منه يستمدون قوتهم ونشاطهم وحيوتهم وعزتهم وزادهم
وكانت عنايتهم به تفوق كل عناية يتنافسون في استظهاره وحفظه ويتسابقون الى مدارسته
وتفهمه ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه ويفهمون ويطبقون .
وكانوا يتجافون عن المضاجع ايثارا للذة القرآن الكريم يتلونه في الليل والناس نيام وكان من
يمر ببيوت الصحابة في جوف الليل يسمع فيها دويا كدوي النحل بالقرآن وكان الرسول
صلى الله عليه وسلم يرغب في تعليمه ونشره وفي تدبره وتفهمه ويرسل بعثات القرآن الى
كل بلد يعلمون اهلها القرآن وربما كانت قرة عين السيدة أن يكون مهرها في زواجها سورة
من القرآن يعلمها اياها زوجها .
فكان القرآن يغذي أرواحهم على الدوام ويربي نفوسهم ويسمو بعقولهم ويزيدهم كل يوم
رسوخا في دين الله وعزوفا عن الشهوات وتفانيا في سبيل الحق وحرصا على العلم ومحاسبة للنفس
ومراقبة لله تعالى حتى خرج حظ الشيطان من نفوسهم بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم كما
قال العلامة ابو الحسن النداوي وأنصفوا من انفسهم انصافهم من غيرهم وأصبحوا في الدنيا
رجال الآخرة وفي اليوم رجال الغد لا تجزعهم مصيبة ولا تبطرهم نعمة ولا يشغلهم فقر
ولا يطغيهم غنى ولا تلهيهم تجارة ولا تستخفهم قوة ولا يريدون علوا في الارض ولا فساد
واصبحوا الناس القسطاس المستقيم قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين
أو الاقربين وطأ لهم أكناف الارض وأصبحوا عصمة للبشرية ووقاية للعالم وداعية الى دين الله .
ولم يمضي الا وقت قصير حتى فتحوا الشام والعراق وفارس و مصر والجزيرة والروم والسند
وبخارى والمغرب والاندلس وجزر البحر المتوسط والتوفيق حليفهم اينما حلوا يفتحون بالعدل قلوب
من يغلبونهم على امرهم يرفقون بالمستضعفين من الأولاد والنساء والشيوخ والرهبان وينشرون
كلمة التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة .

ويحدثنا التاريخ ان الاهالي من المسيحيين قد كتبوا الى المسلمين عند فتحهم لبلاد الشام يقولون
" يا معشر المسلمين انتم احب الينا من الروم وان كانوا على ديننا انتم اوفى لنا واراف بنا
وأكف عن ظلمنا و أحين ولاية لنا ولكنهم غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا "
وكل هذا التحول العجيب والسلوك المثالي الذي لم يسبق أن عرفه التاريخ كان بفضل
القرآن الكريم الذي جعل في المسلمين خاصية في اخلاقهم تصنع المعجزات .
وعلى هذا الدرب سار المسلمون من بعد في مشارق الارض ومغاربها حتى ان حفظ القرآن الكريم
واستظهاره شرط ضروري لدراسة اللغة والعلوم فلا حق لاحد في طلب العلم حتى يكون قد
وضع القرآن أساسا له وارضية .
وانتشرت المعاهد والزوايا والكتاتيب في مختلف البلدان الاسلامية لتحفيظ القرآن ومدارسته
وما من عالم أو مفكر أو مصلح أو كاتب أو فيلسوف الا وقد حفظ القرآن الكريم في هذه
المعاهد والزوايا والكتاتيب .

...... وكيف اصبحوا بالاعراض عنه :
ثم خلف من بعدهم خلف لم يدركوا مجد القرآن ولم يعطوه قيمته فقل اهتمامهم به وصار اكثرهم
عناية واهتماما به من يحفظ طائفة من السور القصار وأصبح ابناؤنا لبعدهم عن القرآن لا يفرقون
بين كلام الله وكلام الرسول بل منهم من لا يفرق بين القرآن والأمثال والحكم العربية .
وقد قال لي يوما طالب جامعي يعمل مراقبا باحدى الثانويات انه لم يعرف ان قوله تعالى
" .... كلوا واشربوا ولا تسرفوا ان الله لا يحب المسرفين " من القرآن حتى دله على ذلك
الاستاذ وذكرني هذا بما قاله الاستاذ عبد السميع البطل احد محرري منبر الاسلام انه صلى اماما
باحد المساجد بالقاهرة وشرح في الخطبة قوله تعالى في تربية البيوت
" يا ايها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم ..... " ثم قراها في الصلاة وعند الانتهاء
منها تقرب اليه موظف كبير فقال له : لم أعرف ان الآيات التي شرحتها في الخطبة من القرآن
الا حين سمعتها منك في الصلاة ؟؟؟؟؟؟؟؟
فاهتمام المسلمين بالقرآن قليل جدا وقد صليت الجمعة منذ اسبوعين " في وقتو ههههه "
بجامع الطابع بتونس وتعاقب على تلاوة القرآن خمسة قراء فأثار عجبي ان يخطئوا في القراءة جميعا
مرة او مرات فاين الاهتمام والحرص على حفظه وخاصة بالمغرب العربي اين كان يضرب الامثال فيه ؟

[size=25][size=25]وجدير بالملاحظة ان القرآن كتاب العامة ومن ثم يجب ان يهيأ لهم جميعا فالائمة في المساجد يجب [/size][/size]
[size=25][size=25]ان يقرأوا في الصلاة من مختلف أجزاء القرآن لتتعود أذن المسلم على القرآن كله ولكن الغريب [/size][/size]
[size=25][size=25]في الامر ان جلهم ان لم نقل كلهم لا يقرأون الا السور القصيرة المشهورة حتى صار القرآن غريبا [/size][/size]
[size=25][size=25]عن المسلمين .[/size][/size]
[size=25][size=25]لقد كان القرآن اماما يتبع وفيصلا يحكم ونورا يهدي ومعلما يوجه ويرشد وطبيبا يداوي النفوس [/size][/size]
[size=25][size=25]والارواح حتى ساد الجهل وأخذ المسلمين مأخذه فاستعملوا آيات القرآن للتطبيب والفتك بالاعداء [/size][/size]
[size=25][size=25]وكشف عالم الغيب وقضاء الحاجات وحل الطلسمات وتسخير الجن وتوسيع الرزق والتعاويذ [/size][/size]
[size=25][size=25]والتمائم ولم يقفوا عند هذا الحد المخجل المخزي بل سولت لهم أنفسهم أن يتجرأوا على جلالة [/size][/size]
[size=25][size=25]القرآن ومكانته فأولوه طبقا لاهوائهم واغراضهم السافلة وأخرجوا آياته عن معناها فأولوه وحرفوه [/size][/size]
[size=25][size=25]ليلبوا به نزعات المفسدين . [/size][/size]
[size=25][size=25]والقرآن حجة على غيره وانما غيره يرضخ لرغبته فهو مسيِر وغيره مسيَر وهو قائد وغير مقود [/size][/size]

[size=25][size=25]لقد ضعفت العناية في العصر الحاضر وقل المعنيون بحفظه كاملا وأصبح اولادنا وبناتنا لا يحفظون [/size][/size]

[size=25][size=25]الا سورا قليلة ثم يشب أحدهم كما يشب قرن الماعز ينبت على استواء ولا يثبت الا على التواء [/size][/size]

[size=25][size=25]ويخرج وقد عق لغته وأنكر قومه وانسلخ من جلدته واستهان بدينه وخرج من آدابه ولا يستحي[/size][/size]

[size=25][size=25]من ذلك ان يقول ها انا ذا فاعرفوني .[/size][/size]

[size=25][size=25] و ما أضاع المسلمين ومزق جامعتهم ونزل بهم الى هذا الدرك من الهوان الا بعدهم عن هداية القرآن [/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]وجعلهم اياه عضين وعدم تحكيمهم له في أهواء النفوس وفي مزالق الآراء ليأخذ بيدهم الى صوابها [/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]وفي نواجم الفتن ليجلى غماءها وفي معترك الشهوات ليكسر شرتها وفي مفارق سبل الحياة [/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]ليهدي الى أقوهمها وفي أسواق المصالح والمفاسد ليميز هذه من تلك وفي مجامع العقائد ليميز حقها[/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]من باطلها وفي شعب الأحكام ليقطع فيها بفصل الخطاب وان ذلك كله لموجود في القرآن بالنص [/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]أو بالظاهر أو بالاشارة والاقتضاء مع مزيد تعجز عنه عقول البشر مهما ارتقت وهو تعقيب [/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]كا حكم بحكمة وكل أمر بما يثبته في النفس وكل نهي بما ينفر عنه لان القرآن كلام خالق النفوس[/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]وعالم ما تكن وما تبدي ومركب الطبائع وعالم ما يصلح وما يفسد وبارئ الانسان وسطا بين عالمين [/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]أحدهما خير محض والآخر شر محض فجعله ذا قابلية لهما من غير أن يكون أحدهما ذاتيا فيه [/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]ليبتليه أيشكر أم يكفر وليمتحنه أي الطريقين يختار كل ذلك ليجعل سعادته بيده وعاقبته باختياره[/size][/size][/size]

[size=25][size=25][size=25]وتزكيته أو تدليسه من كسبه وحتى يهلك عن بنيه أو يحيا ببنيه [/size][/size][/size]
بتصرف بسيط الاخ الفاضل
عين الفوارة
من مراسلاته معي اعجبني فوضعته لكم